منتديات رغد الشمال

منتديات رغد الشمال (http://www.rag7d.com/vb/index.php)
-   قطآف عآمه / مآذآ : يُحكَى سلَفآ ‘ (http://www.rag7d.com/vb/forumdisplay.php?f=169)
-   -   حنين (http://www.rag7d.com/vb/showthread.php?t=21601)

الغارس 06-06-2018 11:22 AM

حنين
 

حنين

ازدحمتْ باقات الزهور، وعبقت الأجواء بأحلى العطور، كثر عدد المستقبلين للطائرة القادمة من لندن، هناك مجموعة من فتيات متلهفات لعودة "حنين"، ومعهن باقة ورد خلاَّبة، وقد وقعت بطاقتها: "نيابة عن طلبة الجامعة وهيئتها التدريسية".

ستنسى "حنين" آلامها فور وصولها واستقبالها بهذه الحرارة، وسينسى والد حنين تعبه وخسائره فور شعوره بأن الناس من حوله يشاركونه همومه، كان هذا كلام أم حنين قبل أن تلتفت إلى السيد أيمن ابن أختها، الذي بدا قلقًا ومتلهِّفًا لسماع أخبار القادمين، وكان يحدق بجميع حملة الورود؛ خشية أن يكون من بينهم شاب تجرأ على القُدُوم لاستقبال حنين، فالسيد أيمن يُخَطِّط لبناء عش الغد، ويطمح بأن تكون "حنين" القادمة مع الغروب، هي التي ستنسج له فجر الغد القادم.

سارعتْ أم حنين لاستقبال ابنتها وزوجها، ومشتْ حنين بين والديها مزهوة بهما، سعادتها تشرق من عينيها الذابلتين.

سلم المهنِّئون على "حنين"، وحمدوا الله على سلامتها، وتقدمتْ زميلاتها الجامعيات بباقات وعبارات التهنئة بالسلامة والمباركة بالتخرج والتفوق المشرِّف.

كان السيد أيمن، ذاك الشاب الوسيم يرقب الأحداث، وهو بعيد الجسَد، قريب الروح والقلب، سار أمام والد حنين، حاملاً حقائب السفر إلى سيارته، فالتقتْ نظراته بنظرات "حنين"، فاغتنم الفرصة، وقال بسرعة:
• حمدًا لله على سلامتك.
فأجابته بصوت هادئ رزين، وابتسامتها تزين محيَّاها الوَضِيء:
سلمك الله من كلِّ مكروه.

انتظر السيد أيمن بجوار سيارته الآنسة "حنين"، ريثما تنتهي من أحاديثها الجانبية، فطال الانتظار، ورأى من المناسب أن يدعوَ جميع المستقبلين إلى حفْل عشاء في اليوم التالي.

استقلَّ السيد أيمن سيارته، وبجواره السيد أبو حنين، وقد ركبت في الخلف أم حنين والشابة حنين.

بدأ والد حنين بالحديث عن رحلتهم، وحمد الله الذي وفقه للذهاب لعلاج ابنته في الوقت المناسب، خاصة بعد خطأ تلك الطبيبة، فقاطعتْه والدة حنين قائلة:
الدكتورة المغرورة "علية"، قاتلها الله، كم هي حمقاء، كادت أن تودي بحياة ابنتنا!

فعلقت حنين قائلة: قولي: سامحها الله يا أمي، ونجانا من شرورها وشرور أمثالها.

طرب السيد "أيمن" لهذا التعليق العميق المهذب، وعلق قائلاً:
ربما سحبتُ الثقة من كثير من الأطباء منذ وفاة والدتي - رحمها الله - أقصد منذ أن ثبت لي أن الطب تجارة.

فأجاب والد حنين:
الحقيقة يا بني أنا لا أفهم في الطب كثيرًا؛ لكني كنت ألحظ حرص الأطباء هناك، وتعبهم ومتابعتهم لمريضهم، وقلقهم عليه، فأعجب لذلك، تصوّر قبل أن أغادر، جهَّز لي الطبيب المسؤول ملف "حنين" الخاص، وجعل في مقدمته أوراقًا خاصة لإسعاف "حنين"، فيما لو أرهقت من السفر، أو لأيِّ أسباب أخرى، وقال:
لقد فصلت هذه التعليمات وبسطتها؛ حتى يمكن لأي ممارس لمهنة الطب أن يفهمها وينفِّذها بسرعة، فأجاب أيمن:
أمانة علمية، وحرص إنساني، يغبط عليه هذا الطبيب، وكان "أيمن" يتوقَّف أحيانًا؛ ليلتقط بعض عبارات "حنين" الهامسة لأمها:
كم أتعبت والدي، كان يسهر الليالي الطوال بجواري، لم أشعر بمحبة والدي العميقة لي مثل شعوري هذه الأيام، لا يمكنك أن تتصوري معاناته من أجلي، وحرصه الشديد بالنتائج الإيجابية، وقلقه العظيم بسبب بعض النكسات العابرة، لقد أصبح مُقرئًا للقرآن، كان يقرأ لي آيات الشفاء صباح مساء.

ابتسمت أم حنين، وقالت:
منذ أن رأى وجهك القمري في دنياه، وهو يغدق عليكِ حبًّا عظيمًا، إنه حريص جدًّا عليك وعلى مستقبلك.

ونظرت عبر النافذة، وبدأت تحدِّث نفسها: مستقبلك يا غاليتي، مستقبلك أيتها الشابة المثقفة، غدًا ستخرجين من عالمنا إلى عالم آخر، وهذه سنة الحياة، تقدَّم ليدكِ الكثيرُ يا حنين، ولَم أرضَ لك سوى أيمن، أيمن هذا الشاب المتعلِّم الملتزم الخَلُوق المثقف، ابن أختي الحبيبة - رحمها الله - يعلم الله كم أُحب وأحترم هذا الشاب، ووالدك كذلك، لا أدري لماذا يتعثر أمرُ زواجهما، لقد ناقشت الأمر مرارًا وتكرارًا مع حنين ووالدها، فكنا نتفق على أننا يجب أن نُصلِّي صلاة استخارة، نصليها نحن الثلاثة، ونخرج بنتيجة غير مطمئنة، قلوبنا وعقولنا وتدبيرنا تريد أيمن زوجًا لحنين، وإنما هذا الضيق الذي ينتابنا هو المشكلة.

نظر أيمن إلى خالته الشاردة، وقال مداعبًا:
نحن هنا، لقد وصلنا، حمدًا لله على سلامتكم، أستودعكم الله.

استرق أيمن نظرات خاطفة من طيف حنين، وعاد لبيتِه يُفكِّر بهذه الفتاة العظيمة، وسرِّها الغامض، كلما حاول الاقتراب منها، حالتْ بينه وبينها الظروف، إنه يحلم ببيتٍ هادئ دافئ، وزوجة صالحة وَقُور، وصغار يُغَرِّدون بأناشيد الفرَح، ويطربون لسماع آيات الله.

يتخيل بيتًا أرقى من كلِّ البيوت التي يراها، وزوجة أروع من جميع الزوجات، وأمًّا أوعى من كل الأمهات، فقال لنفسه:
لا يوجد في هذه الدنيا سوى واحدة اختارها عقلي، وأحبها قلبي، إنها هي، وتوجه إلى بارئه قائلاً:
اللهم يسِّر أمري، واغفر جهْلي في لطيف تدبيرك، ثم عاد لنفسِه يُحدثها:
غدًا، سوف أعدُّ مِن أجل عينيها عشاءً فاخرًا، عشاءً تمهيديًّا لوليمة العُرس القادم - إن شاء الله.
يبدو أن الغد بعيد، فحاول أيمن تعجيل عقارب الساعة، فاستجابتْ لأشواقه.

أشرف على تحضير لوازم الحفل: مأكولات، أدوات، مزهريات، وأكاليل ورود.

قامتْ حنين من نومها لتستقبل يومها، وهي شاحبة متثاقلة، انتقل الخوف والتوجُّس من قلب أم حنين إلى أطرافها، فبدتْ وجلة مضطربة، حاولت أن تصرف شواغل فكرها، وتشتغل بفرح يومها الموعود، لكن حالة حنين تزداد سوءًا، فقرر والدُها نقلها إلى المستشفى المجاور، حاملاً معه النصائح المدونة، والتقارير الواضحة.

ضاق صدر أبي حنين عندما استقبلتْه طبيبة الطوارئ "علية"، وكأنه أحد الآباء المغفَّلين المهملين:
قلتُ لكم ألف مرة: إن تأخُّركم ليس من صالح مريضكم، فقدَّم لها الأوراق قائلاً:
أرجو مطالعة هذه الأوراق لو سمحت، ومعرفة الحالة بالضبط، فأجابت بصوت مرتفع:
نحن نستقبل الحالات ليل نهار، ونعرف كل التوصيات، وسوف أقرأ هذه الأوراق بعد الانتهاء من عملي، فقاطعها قائلاً:
ولكن يجب أن... فأجابته بحدة:
أخبرني من الطبيب هنا؟ أنا أم أنت؟ دعني وشأني أرجوك.

وبدأت تعد الإسعافات وهي في غاية التوتر، وأضاءت الجهاز الذي حفظه والد حنين عن ظهر قلب، إنه جهاز رسْم القلب، بدأ الجهاز يرسم، ووالد حنين ينظر، إحساسه الأبوي يهتف به أن حالة المريضة تَتَدَهْور بسرعة، خطأ جسيم تُمارسه الطبيبة لا يعرف كنهه، المؤشِّر بدأ يتباطأ، رويدًا، وقلب الوالد بدأ يهبط مع المؤشر، وكأنما يقيس الجهاز نبضه هو، نظرت الطبيبة إلى الساعة وقالت: الآن.

أحس والد حنين ببريق الأمل، فقال: ماذا الآن؟
قالتْ وهي تستعد للخروج: الآن انتهى وقت دوامي، أرجوك اترك كل شيء كما هو، سوف يأتي المناوب القادم، بعد لحظات نظر والد حنين إلى العروس الشابة المسجاة، كاد يفتديها بروحه، ويرفعها بين يديه هاربًا بها من هذا الإهمال واللا مبالاة، ارتختْ أطراف حنين، فشعر والدها أن قدميه قد شلَّتا، عندما أبصرت عيناه توقف مؤشر نبضات القلب، وفي تلك الليلة...

وفَّى السيد أيمن بوعده، فقدم عشاء لأهل الميتة، وهو يكتم ما في أعماقه من الحسرات، ولا يزيد على قوله: إنا لله وإنا إليه راجعون.

براءة مشاعر 06-06-2018 10:51 PM

رد: حنين
 
يعطيك العافية

غصة الوريد 07-06-2018 08:47 AM

رد: حنين
 
يعطيك الفين عاافيه
تقبل ودي وعبير وردي

الغارس 23-06-2018 12:51 PM

رد: حنين
 
مليون شكر لكم على المرور

جنون انثى


الساعة الآن 12:56 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
هذا الموقع يتسخدم منتجات Weblanca.com
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010

a.d - i.s.s.w

اختصار الروابط